lundi 14 mai 2007

كتاب عن العرب و " رهانات الإنترنت "


كتاب عن العرب و " رهانات الإنترنت " ، من أكثر الكتب مبيعا في الدورة الأخيرة من معرض الكتاب :

الكتاب يطرح بجرأة كبيرة إشكاليات و تحديات الموجودة نتيجة عدم الوعي بأهمية المعلوماتية


تونس : كارم الشريف


حقق كتاب " رهانات الإنترنيت " الصادر عن " مجد المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع ببيروت " للباحث التونسي شوقي العلوي المختص في علوم الإعلام و الاتصال تميزا خاصا باعتباره من أهم الكتب التي تم الإقبال عليها من مرتادي معرض تونس الدولي للكتاب في دورته الأخيرة . و قد نفدت الكمية المعروضة بجناح الناشر منذ الأيام الأولى . و الكتاب و هو من الحجم المتوسط في 166 صفحة ، طبع سنة 2006 . و تضمن تمهيد خصص للتعريف بالإنترنت و تحديد رهاناتها ، و توزع متنه على خمسة أبواب و هي : الرهانات التقنية ، و الرهانات التنموية ، و الرهانات السياسية ، و الرهانات الإجتماعية و الثقافية ، و الرهانات القانونية . و يكتسي الكتاب أهمية كبرى لعدة أسباب منها أنه أول كتاب عربي يتناول هذه المسألة المعاصرة ويتوفر على جدية الباحث و دقة البحث و عمقه مع الإلتزام الكامل بمنهجه العلمي التعارف عليه وكتب بلغة عربية متينة . لذا فهو يعد إضافة هامة للمكتبة المعلوماتية و الإتصالية العربية بصفة خاصة و كذا الغربية لثراء محتواه و تنوعه و طرحه بجرأة لإشكاليات و تحديات هامة تتنزل في صميم حياة الإنسان العربي .

أهداف الكتاب

ويقترح الكتاب قراءة في رهانات الإنترنت كما طرحت في أهم المؤلفات العلمية حول هذا الموضوع . و هي في أغلبها مؤلفات غربية ارتأى الباحث – الذي يشغل حاليا منصب رئيس ديوان وزير الاتصال و العلاقات مع مجلس النواب و مجلس المستشارين - قراءتها قراءة تحليلية و تأليفية تختزل فيها أهم المطارحات بشأن القضايا الفكرية و السياسية و الثقافية و التنموية التي تناولها الغربيون الذين اخترعوا الإنترنت أو الذين كانت الشبكة إفرازا لحضارتهم و ثقافتهم السائدتين في العصر الحديث . و أكد الباحث على انه لا يقصد " القول بأن هذه التقنية الجبارة دخيلة على السياق الثقافي العربي في عصر يشهد عولمة الثقافة " و إنما هدفه المساهمة " في إثارة الجدل حول هذه التقنية و ما تحمله في طياتها من قضايا و رهانات ". وقد بنى هذا الجدل أولا على "الإطلاع على الرهانات التي طرحت في الغرب لتكون قاعدة لجدل عربي مرجو حولها أو ربما لجدل من طبيعة مختلفة قد تبرزه معطيات السياق العربي ".
مضيفا أن الهدف الرئيسي لكتابه هو التصدي " للخطاب الشعاراتي الذي يردد مقولات رنانة دون غوص في عمق القضايا و الإشكاليات التي تطرحها الشبكة . و أبرز أن اهتمامه بهذا الموضوع يعود إلى عدة عوامل منها " أن الإنترنت أصبح "ظاهرة اجتماعية " بعد أن راج استخدامه على نطاق واسع منذ منتصف التسعينات من القرن العشرين إن بدرجات متفاوتة ،في مختلف البلدان غنييها و فقيرها و بين كل الفئات الإجتماعية".

العرب و الإنترنت

استهل الباحث كتابه بتمهيد أبرز فيه القطيعة بين العالم العربي و الإنترنت قائلا : " على عكس العالم الغربي الذي احتدم فيه النقاش بين أنصار الإنترنت و خصومه ، لم يحدث في عالمنا العربي ذلك النقاش الساخن حول هذه التقنية الإتصالية الجديدة و إن امتلأت خطب الزعماء و السياسيين ووسائل الإعلام و كتابات المثقفين بترديد مصطلحات من قبيل " التكنولوجيات الحديثة للإعلام و الاتصال " و " الطرق السيارة للمعلومات " و مجتمع المعلومات " أو " مجتمع المعرفة " .. و نحن لا نكاد نرى أو نسمع جدلا حول رهانات الإنترنت التي يدور حولها النقاش في الغرب : هل سيغير الإنترنت المبني على مفهوم الشبكة نمط العلاقات داخل الأسرة أو المجتمع العربيين ؟ .. هل سيغير الإنترنت من ملامح المشهد الإعلامي العربي المحكوم في معظمه بمنطق " الإعلام " الأحادي الاتجاه أكثر مما هو تواصل بين الباث و المتلقي ؟ ..هل سيمكن الإنترنت المستخدمين من تحقيق الحرية عامة و حرية التعبير بالخصوص ؟.. هل سيخلق الإنترنت أجواء من الجدل و النقاش و المحتجة التي هي أساس الديمقراطية ؟.. هل أن الإنترنت مناسبة للثقافة العربية أم أنه لا يلائمها ؟..". و يضيف الباحث مجيبا على تساؤلاته :" لا نعتقد أن هذه المسائل و غيرها مطروحة في واجهة النقاش اليوم لا في مستوى الخطاب السياسي و لا الإعلامي و لا حتى العلمي . لا نكاد نسمع سوى خطابا عاما " الانخراط في مجتمع المعلومات " عن طريق إنشاء بنى تحتية للإتصالات و عن التكنولوجيات الحديثة كفرصة اقتصادية " للحاق بالدول المتقدمة "خاصة .خاصة و أن . خاصة و أن الإنترنت " اقتحم كل الميادين و الأنشطة الإجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية - و العلمية – منذرا بتغيير معادلة العلاقات معادلة العلاقات و البنى داخلها..".

رهانات الإنترنت

لم يكن من اليسير تحديد تمثلات الانترنيت و حصرها اعتبارا للعدد الكبير من الرهانات المطروحة على الشبكة و نظرا كذلك لانعكاساتها على كل القطاعات و المجالات تقريبا . و استعان الكاتب في حصره لأبرز القضايا و الرهانات بالوثائق الختامية للمرحلة الأولى للقمة العالمية حول مجتمع المعلومات التي انعقدت في جنيف في ديسمبر 2003 و هي "إعلان المبادئ " و " خطة العمل " و " إعلان المجتمع المدني " ، و بالتقريب بين القضايا التي طرحتها هذه الوثائق و الرهانات التي حددها – الباحث – انطلاقا من دراسة الوثائق العلمية و التي تقاطعت بشكل كبير . و توصل إلى تحديد خمسة أصناف من الرهانات يمكن اعتبارها جامعة لأبرز القضايا التي يطرحها الانترنيت و التي تعكس مجمل التمثلات الممكنة لهذه التقنية الإتصالية . و هذه الأصناف هي : الرهانات التقنية و الرهانات التنموية و الرهانات السياسية و الرهانات الإجتماعية و الثقافية و الرهانات القانونية . و أكد الباحث على أنها لا تمثل قائمة حصرية و مستوفية لكل الرهانات و القضايا المثارة حول الإنترنت .

الرهانات التقنية

نظرا لأهميتها و ضعها الباحث في الصدارة ، و تندرج ضمنها قضايا " البنية التحتية للإنترنت " و " الفجوة الرقمية " و السلامة المعلوماتية "( أو الأمن المعلوماتي ). و تنطوي هذه الرهانات الثلاث على تمثلات مختلفة للأنترنيت . و تعكس البنية التحتية تمثلا " تقنويا " للأنترنيت بإعتباره مسألة تكنولوجية بالأساس . و يرتبط بذلك مفهوم " الهوة الرقمية " الذي يخفي وراءه ذات التمثل التقنوي و الذي يستشف منه أن الدول المتقدمة ستزيد تقدما بفضل انتشار الشبكة فيما ستزيد الدول الفقيرة فقرا لقلة انتشارها . و تعكس مسألة " السلامة المعلوماتية " تمثلا آخر للأنترنيت باعتباره مصدرا لمخاطر متعددة بداية من " الإجرام السيبراني " و الإرهاب و صولا إلى مفاهيم مثل " الحرب السيبرانية " أو تهديد سلامة المعلومات و المبادلات التجارية و غيرها .

الرهانات التنموية

تضم الجوانب الاقتصادية كالاقتصاد اللامادي و التجارة الإلكترونية و تأثيرات الانترنيت في مجالي التعليم و الشغل و هي القضايا المطروحة أكثر من غيرها في الوثائق العلمية . و أضيفت لها في مستوى وثائق القمة العالمية لمجتمع المعلومات قضايا أخرى كالإنترنت و الصحة و الإنترانيت و الفئات ذات الإحتياجات الخاصة مثل المرأة و الشباب و الأطفال و المعوقين ... و هذه الرهانات تعكس تمثلا للأنترنيت بإعتباره وسيلة للخلاص من الفقر و التخلف .

الرهانات السياسية و القانونية

تتمحور الإشكاليات المطروحة ضمنها حول تأثيرات الإنترنت على الديمقراطية و إمكانات خلق " ديمقراطية إلكترونية " أو " ديمقراطية سيبرانية " كما يسميها "بيار ليفي ". و هذا المفهوم يعكس بدوره تمثلا للشبكة بإعتبارها وسيلة إحياء للديمقراطية الغربية و لتحديدها أو لإرساء دعائمها بالنسبة للبلدان الشرقية .
و أبرز القضايا المطروحة في لإطار الرهانات القانونية هي وجوب أو عدم وجوب " التأطير القانوني للأنترنيت " و إدارة الإنترنت " . و تثير قضية وضع إطار قانوني للإنترنت مجددا تمثل الشبكة كمصدر للمخاطر بشتى أنواعها .، في حين تحيل مسألة " إدارة الإنترنت " على قضية هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على الشبكة و بالتالي على تمثل الإنترنت كأداة إضافية لتحكمها و سيطرتها على العالم .

الرهانات الثقافية و الإجتماعية

و قد قسمها الباحث إلى خمس قضايا رئيسية ، تتعلق أولاها بالرهانات الإجتماعية للإنترنت و خاصة مسألة " الجماعات الإفتراضية " أو تأثير الإنترنت في اللحمة الإجتماعية . و ضمن هذا الإطار يطرح تمثل الإنترنت كوسيلة للتخلص من قيود الزمان و المكان و تحقيق شكل مبتكر للإجتماع بين البشر بمنأى عن الحدود و القيود الجغرافية و الزمنية . و تهم القضية الثانية مسألة " الواقع الافتراضي " التي تلقى على بساط الدرس تمثل الإنترنت كعالم آخر ينضاف إلى " العالم الحقيقي " و يوسع قدرات الإنسان متحديا مرة أخرى قيود الزمان و المكان . و تتمحور الثالثة حول قضية " الذكاء الجماعي " و ما تختزنه من تمثل للشبكة بإعتبارها وسيلة لإنصهار الذكاءات الفردية و المعارف المختلفة في بوتقة واحدة من تحقق تراكما كميا و منوا نوعيا للذكاء و العقل البشريين . وأما الرابعة فهي على علاقة بالتحولات التي يدخلها الإنترنت على النموذج الإتصالي بإعتبار أنه يقوم على التفاعلية و على إلغاء وساطة الصحفي بين الباث و المتلقي . و تتصل القضية الأخيرة بالجدل حول التنوع الثقافي و اللغوي . و هذه المسألة تبسط تشكل وسيلة أخرى لتوسيع رقعة الهيمنة الثقافية الأمريكية تحديدا و الغربية عموما على ثقافات و حضارات و عادات و لغات الشعوب الضعيفة .

اتجاهات ..

توصل الباحث في خاتمة كتابه انطلاقا من دراسة القضايا أو الرهانات المتعلقة بشبكة الإنترنت التي استخرجها من المراجع العلمية من وجهات نظر متباينة ، إلى استخلاص ثلاث اتجاهات كبرى لا يزعم :" أنها استنتاجات نهائية و إنما هي مجرد اتجاهات أو فرضيات قد تحتاج إلى المزيد من التمحيص و الدراسة " و أنها لا تعني البتة ميله إلى "التقليل من شأن التأثيرات التي تحدثها هذه التقنية الإتصالية في المجتمع وفي مختلف أوجه النشاط الإنساني بما أنها اكتسحتهما في حيز زمني قياسي لم تعادله فيه أي من التقنيات الإتصالية السابقة . و تتمثل أولاها في أن كل الرهانات المتعلقة بالإنترنت ، الوظيفي منها و القيمي ، هي محل جدل بين المفكرين و الباحثين حسب موقف كل واحد منهم من العلاقة بين التقني و الإجتماعي – الثقافي . فمنهم من يعتقد أن التقني يؤثر أو يحدد الإجتماعي و الثقافي ، و منهم من يرى عكس ذلك في حين يذهب آخرون مذهبا وسطا يقول إن التقنية تساعد و تسهل و ترافق التحولات الإجتماعية و الثقافية و لكنها لا تحددها . و يرى في الإتجاه الثاني أن الإنترنت كإحدى التكنولوجيات الحديثة للإتصال و الإعلام لا يخلق في الغالب إشكاليات جديدة بقدر ما يحي الجدل حول إشكاليات قديمة أثيرت من قبل مع ظهور تقنيات اتصال سابقة ( المطبعة ، التلغراف ، الهاتف ، المذياع ، التلفاز ...) حول قضايا شتى مثل علاقة وسائل الإتصال بالديمقراطية و التنمية و التنوع الثقافي و غيرها. ويتمثل الإتجاه الثالث في أن هناك بونا شاسعا بين الإمكانات النظرية الكامنة في الإنترنت و الممارسات الفعلية مثلما يظهر ذلك بالخصوص في مسألة دور الشبكة في إحياء الديمقراطية .
و بين على انه من السابق للأوان تاريخيا إطلاق أحكاما نهائية على التحولات الإجتماعية و الثقافية للإنترنت لأن " التملك الإجتماعي للتقنية يحتاج إلى زمن للنضوج ".